المصادر المالية

تمثل الموارد المالية عصب الأعمال و الخدمات المصرفية للبنوك عامة و البنوك الاسلامية خاصة, فلا يمكن لهذه الأخيرة القيام بدورها الا قبل تجميع الموارد المالية الازمة التي تشكل النواة الاولى لعملها.

تنقسم مصادر الأموال في البنوك الاسلامية إلى مصدرين رئيسيين لا غنى عنهما, و يتمثلان في المصادر الذاتية الخاصة بالبنك المتمثلة في حقوق الملكية, سواء أكانت رأس المال أو الاحتياطات أو الأرباح المحتجزة…الخ, ثم المصادر الخارجية و هي التي تشكل الجزء الأكبر من موارد البنك و تضم بشكل رئيسي الودائع الخاصة بالعملاء.

أولا: المصادر الذاتية

يرتبط الحديث عن الموارد الذاتية ببداية البنك الاسلامي, فبعد حصوله على موافقة الجهات المعنية التي غالبا ما تكون البنك المركزي, يقوم البنك الاسلامي بطرح أسهمه  للاكتتاب, بحيث يكتتب مؤسسو البنك أولا ثم تطرح باقي الأسهم للاكتتاب العام. و يكون بذلك أول مورد و مصدر أساسي لتشغيل البنك الاسلامي و بداية عمله هو المورد الخاص بالمساهمين في البنك.

و يعطي هذا الاكتتاب لمحة أخرى عن التزام البنك الاسلامي بأحكام الشريعة الاسلامية منذ نشأته, فالبنك في هذه الحالة عندما يطرح اسهمه للاكتتاب العام تكون على شكل أسهم عادية و ليس أسهم ممتازة, و الفرق بينهما أن الأولى تشارك في الربح و الخسارة عكس الثانية التي يكون فيها الربح مضمونا و لا تشارك في الخسارة لذلك صدرت فتوى بتحريمها.

النوع الثاني في المصادر الذاتية للبنك الاسلامي يتجلى في الاحتياطات التي يكونها البنك على مدار السنوات من خلال الأرباح التي يحققها, حيث يقوم بتوزيعها على المساهمين و يحتفظ بجزء من هذه الأرباح كاحتياطي من أجل تدعيم المركز المالي للبنك. و هكذا فالإحتياطات هي جزء يقتطع من الأرباح من أجل دعم رأس مال البنك. و باعتبار الاحتياطات من حقوق الملكية أي تخص المساهمين دون غيرهم, فيجب أن تقتطع من صافي أرباح المساهمين و ليس العائدات الإجمالية التي تدخل فيها أموال المودعين.

و قد يلجأ البنك أيضا الى حجز جزء من أرباحه و ترحيلها لسنوات قادمة لاستخدامها فيما بعد و تسمى بالأرباح المحجوزة أو المرحلة, و هي مصدر من المصادر الذاتية للبنك و تخص كالاحتياطات المساهمين فقط و ليس المودعين. و يعمد البنك الإسلامي في هذه الحالة الى ابقاء الأرباح المقتطعة في البنك من خلال وضعها في حسابات مختلفة نذكر منها:

  • الحساب الاحتياطي القانوني: و هو عبارة عن نسبة معينة  تحدد حسب القواعد المصرفية المعمول بها, بحيث يتم اقتطاعها  من الأرباح الصافية للبنك, و يفرض القانون الأساسي للبنك أن تبقى داخله بدون توزيعها.
  • حساب الاحتياطي العام: هو حساب يضعه المؤسسون بغرض تدعيم رأس مال البنك، و عادة ما ينص القانون التأسيسي للبنك علي حساب الاحتياطي العام و على نسبة الأرباح المحولة إليه، و التي قد تختلف تبعا لعدة عوامل قانونية أو اقتصادية.
  • حساب الإحتياطات الأخرى: يمكن للبنوك تكوين حساب إحتياطات أخرى حسب الحاجة  للتقليل من مخاطر الخسائر و احتمالات حدوثها, و لزيادة المرونة التي تتمتع بها البنوك الاسلامية.

نصل بعد ذلك الى مصدر آخر و هو المخصصات, حيث يقوم البنك الاسلامي هنا باقتطاع جزء من مجمل الارباح لمواجهة أعباء أو مخاطر محتملة الحدوث لكن ليست معلومة المقدار أو وقت الوقوع, و بصيغة أبسط هي تكلفة أو إنفاق لم يتم صرفه بعد. و من أمثلة هذه المخصصات تلك الخاصة بالتزامات مؤكدة للبنك مستقبلا و لا يمكن تحديد قيمتها بدقة كمخصص الديون المشكوك فى تحصيلها, أو مخصص الديون المعدومة…الى غيرها من الحالات.

إضافة الى ما سبق هناك موارد أخرى متاحة للبنك الإسلامي كالقروض الحسنة من المساهمين مثلا، أو التأمينات المودعة من قبل عملاء البنك الاسلامي, كغطاء الاعتماد المستندي، أو غطاء خطابات الضمان…

تعتبر المصادر الداخلية للبنوك الاسلامية مصادر طويلة الأجل يمكن استثمارها في المشروعات طويلة الأجل و ذلك في حالة ما إذا كانت نسبتها كبيرة مقارنة مع المصادر الخارجية, أما في حالة العكس أي أن تكون نسبتها ضئيلة فتصبح عندئد غير ممكنة الاستثمار.

ثانيا: المصادر الخارجية

يعتبر قبول  الودائع من أهم أنشطة البنوك الاسلامية, إذ أنها المصدر الرئيسي الذي يمنح للبنوك قدرتها التمويلية و الاستثمارية, كما تشكل عصب مواردها الخارجية.

يمكن أن تأخذ الودائع عدة أشكال متنوعة حسب احتياجات العملاء, لذلك تحرص البنوك عامة على توفير منتجات متعددة لجذب عملاء جدد و بالتالي توسيع أوعيتها المالية.و سنقف عند أهم أنواع الودائع و أكثرها انتشارا.

تأتي الودائع تحت الطلب و تسمى أيضا الحسابات الجارية على رأس الودائع التي يتلقلها البنك, و هي الأموال التي يودعها أصحابها في البنوك الاسلامية بغرض حفظها و لتيسير معاملاتهم اليومية. و تبقى هذه الأموال تحت تصرف أصحابها بحيث لهم الحق في سحبها سواء كليا أو جزئيا في مقابل عمولة بسيطة تدفع للبنك الاسلامي نظير تكاليف إدارة الحساب.

و قد اتفق الفقهاء و الباحثون على اعتبار الحسابات الجارية في حكم القرض, فيلتزم البنك بالوفاء بها و ضمان ردها عند طلب العميل. و لا يحظى المودعون بأية فوائد في هذا النوع من الحسابات كما أنه ليس من حقهم الاستفادة من  الأرباح المتحققة من وراء تشغيل هذه الأموال بل تبقى من نصيب البنك الاسلامي نظرا لكونه ضامنا لِرد هذه الودائع. أما في حالة الخسارة فالبنك يتحمل التبعة وحده عملا بالقاعدة الشرعية «الخراج بالضمان», و هذا ما أكدت عليه توصيات مؤتمر البنك الاسلامي المنعقد بدبي عام  1979 من عدم استحقاق الحساب الجاري أي نصيب في أرباح الاستثمار.

و مما يميز البنك الاسلامي عن البنك التقليدي هو كونه لا يهدف من وراء ادارة هذه الحسابات تحقيق أرباح بقدر ما يسعى الى تيسير عمليات التمويل القصير الأجل, و خدمة عملائه. فضلا عن أن البنك الاسلامي يحتسب عمولات و مصاريف هذا الحساب على أساس التكاليف الفعلية دون تحقيق ربح.

تاليا نجد الودائع الادخارية و يطلق عليها أيضا حسابات التوفير, و غالبا ما يكون مقدار هذه الودائع صغيرا, و يمكن لصاحبها السحب منها كلا أو بعضا من خلال دفتر توفيره. و تمنح البنوك عائدا على هذه الودائع  يكون بحسب الوديعة و مدتها.

و يمكن للودائع الادخارية أن تكون مع تفويض بالاستثمار, بحيث يستثمر البنك الاسلامي مبلغ الوديعة كله أو بعضه حسب رغبة العميل, في مقابل حصول هذا الاخير على نصيب متفق عليه من الربح. أو أن يكون الحساب بدون تفويض بالاستثمار و تترك الوديعة على حالها بدون أن تستحق أي ربح فتأخد بالتالي حكم الحساب الجاري.

أما ثالثا فنجد ودائع الاستثمار(حسابات الاستثمار) التي  تشكل أهم مصدر من مصادر الأموال الخارجية في البنوك الإسلامية, و هي الأموال التي يودعها أصحابها لمدة معينة بغرض استثمارها و الحصول على نصيب من الأرباح. و تأخذ ودائع الاستثمار صورة عقد مضاربة بين المودعين( أرباب المال) و بين البنوك الاسلامية (المضارب بالعمل)، مع تحديد نصيب كل من الطرفين مقدما.

و تنقسم ودائع الاستثمار إلى نوعين, فهي اما أن تكون مع التفويض بحيث تؤسس على ضوء قواعد المضاربة المطلقة, فيكون للبنك الاسلامي حق استثمار أموال المودعين في أي مشروع يراه مناسبا دون ربط المودعين استثمار أموالهم بمشروع معين. أما النوع الثاني فهو الإيداع بدون تفويض, و يقوم على أساس عقد المضاربة المقيدة, فيختار المودع مشروعا من مشروعات البنك الاسلامي ليستثمر فيه أمواله.

و نظرا لطبيعة البنك الاسلامي لا بد من الاشارة الى مصدر ذو أهمية خاصة تميز هذا النوع من البنوك عن غيرها من البنوك الأخرى، و هو الزكاة التي قد يحصل عليها البنك الاسلامي من مصادر متعددة, فقد يدفعها البنك نفسه من رأس ماله و أرباحه, أو يتحصل عليها من العملاء بموافقتهم, سواء على أموالهم المودعة لدى البنك  أو على عائد إستثماراتهم. كما أن  البنك الاسلامي قد يتلقلى الزكاة من الأفراد غير المتعاملين مع البنك, و من المؤسسات و الهيئات الأخرى أيضا.

يضاف الى ما سبق موارد أخرى لا يسمح المجال بتعدادها جميعا, و تضم مختلف العمولات و الرسوم على الخدمات التي تؤديها البنوزك الاسلامية لعملائها كالقيام بأعمال الوكالة أو الإجارة أو تحويل الأموال و تأجير الخزائن الحديدية, و غير ذلك من الخدمات.

One Comment

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button

Adblock Detected

الموقع يعتمد على الاعلانات لكي يستمر. المرجو دعمنا من خلال تعطيل مانع الاعلانات و شكرا لتفهمكم