إدارة المخاطر

تعاظمت المخاطر المحدقة بالبنوك الاسلامية و تغيرت طبيعتها في ظل تطورات التحررالمالي و تنامي استخدام أدوات مالية جديدة, و دخول عامل التكنولوجيا بقوة، مما أكسب إدارة المخاطر أهمية متزايدة لدى المصارف، حيث أدرجتها لجنة بازل كأحد المحاور الهامة لتحديد الملاءة المصرفية. لذلك سعت البنوك الاسلامية للبحث عن أساليب و طرق تحوطية تختلف عن النموذج التقليدي الذي لا يخدم طبيعة عملها.

تعرف المخاطر بأنها احتمال تعرض المصرف لخسائر غير متوقعة وغير مخطط لها, فتؤثر على حجم العائد المتوقع لاستثمار معين. و تساعد إدارة المخاطر في:

-قياس المخاطر.
-رسم السياسة المستقبلية.
-تطوير الميزة التنافسية للبنك عن طريق التحكم في التكاليف الحالية والمستقبلية.
-تقدير المخاطر والتحوط ضدها بما لا يؤثر على ربحية البنك.
-المساعدة في اتخاذ قرارات التسعير.
-تطوير إدارة محافظ الأوراق المالية والعمل على تنويع تلك الأوراق، من خلال تحسين الموازنة بين المخاطر والربحية.
-مساعدة البنك على احتساب معدل كفاية رأس المال وفقا للمقترحات الجديدة للجنة بازل.

و يجب على مؤسسات الخدمات المالية الإسلامية أن تتبع إجراءات شاملة لإدارة المخاطر وإعداد التقارير عنها، بما في ذلك الرقابة الملائمة من قبل مجلس الإدارة والإدارة العليا من أجل تحديد  وقياس ومتابعة ومراقبة فئات المخاطر ذات الصلة وإعداد تقارير عنها، والاحتفاظ برأسمال كافٍ للوقاية من هذه المخاطر. و تأخذ هذه الإجراءات في الاعتبار الخطوات الملائمة للالتزام بالشريعة، والتأكد من كفاية التقارير الي ترفع إلى السلطات الإشرافية للإبلاغ عن المخاطر.

و وفقا لما جاء بورقة العمل المقدمة في اجتماع لجنة الرقابة المصرفية العربية التابعة لمجلس محافظي المصارف المركزية, و مؤسسات النقد العربية تحت عنوان «مبادئ إدارة المخاطر » تتمثل أهم مبادئ إدارة المخاطر يما يلي:

1- تقع مسؤولية إدارة المخاطر بشكل أساسي على عاتق مجلس الإدارة لكل مصرف، وهو مسؤول أمام المساهمين عن أعمال المصرف، وهو ما يستوجب فهم المخاطر التي يواجهها المصرف والتأكد من أنها تدار بأسلوب فعال و كفء. و يترتب عليه:

– إقرار إستراتيجية إدارة المخاطر، وتشجيع القائمين على الإدارة على قبول و أخذ المخاطر بعقلانية في إطار هذه السياسات، والعمل على تجنب المخاطر الي يصعب عليهم تقييمها.
– إقرار سقوف لإجمالي حجم مخاطر التمويل والاستثمار لتفادي تركيز المخاطر، كما أن عليه، حيث يلزم، التأكد من أن لدى مؤسسة الخدمات المالية الإسامية رأس مال كاف لتغطية هذه المخاطر.
– القيام بصورة دورية بمراجعة مدى فاعلية أعمال إدارة المخاطر، وإجراء التعديلات المناسبة عليها عند اللزوم.

و يجب على الإدارة العليا:

– أن تقوم بشكل مستمر بتنفيذ التوجهات الإستراتيجية الي أقرها مجلس الإدارة.
– تحديد خطوط واضحة للصلاحيات والمسؤوليات المتعلقة بإدارة ومراقبة المخاطر و التقرير عنها.
-التحقق من عدم تجاوز أنشطة التمويل والاستثمار للسقوف المعتمدة، و أن تحصل على موافقة مجلس الإدارة.

2- التأكد من استقلال القسم المكلف بإدارة المخاطر عن الأنشطة الي تؤدي إلى نشوء المخاطر، وأنه يتبع مباشرة لمجلس الإدارة أو لإدارة عليا خارج نطاق الإدارة المكلفة بالأنشطة الي تؤدي إلى نشوء المخاطر.
3- أن تكون لدى كل مصرف لجنة مستقلة تسمى «لجنة إدارة المخاطر » تشمل في عضويتها بعض المسؤولين التنفيذين بالمصرف. يناط بهذه اللجنة مسؤولية تحديد ووضع سياسات إدارة المخاطر استنادا إلى إستراتيجية المخاطر والإستراتيجية العامة للمصرف التي يضعها مجلس الإدارة، مع الأخذ في الاعتبار أسلوب الحيطة والحذر وعدم التركيز على نوع واحد من المخاطر.
4- إنشاء إدارة متخصصة تتولى تطبيق سياسات إدارة المخاطر، وتقع على عاتقها المسؤولية اليومية لمراقبة وقياس المخاطر للتأكد من أن أنشطة المصرف تتم وفق السياسات و الحدود المعتمدة، وتكون تلك الإدارة مسؤولة أمام لجنة إدارة المخاطر.
5- تعيين مسؤول مخاطر لكل نوع من المخاطر الرئيسية التي يواجهها البنك، و خاصة مخاطر الائتمان والسوق والسيولة. ويشترط أن تكون لدى كل منهم الدراية الكافية والخبرة في مجال عمله .
6- ضرورة وجود منهجية و نظام محدد لقياس و مراقبة المخاطر لدى كل بنك، وذلك لتحديد مستوى كل نوع من المخاطر التي يمكن قياسها و بشكل دقيق لمعرفة و تحديد تأثيرها على ربحية المصرف وملاءته الرأسمالية. ولنجاح هذا النظام من حيث المراقبة، فإنه لابد من إيجاد مجموعة شاملة ومتجانسة من الحدود والسقوف الي تشمل على سبيل المثال حدودا ائتمانية وحدودا احترازية تفرض وقف التداول أو المتاجرة لتقليل مقدار الخسائر، كما يجب وضع حدود للسيولة العامة للمصرف و كذلك حدود لسيولة المنتجات والأدوات الاستثمارية، بحيث تعزز تلك المنهجية من نظام القياس والمراقبة.
7- لابد من تقييم أصول كل مصرف وخاصة الاستثمارية منها على أساس القيمة العادلة، بسعر السوق, أو السعر الذي يتم تحديده باستقلالية عن المتعاملين في حالة عدم توافر سعر السوق كمبدأ أساسي لقياس المخاطر والربحية.
8- ضرورة استخدام أنظمة معلومات حديثة لإدارة المخاطر، توفر بشكل دوري وفى الوقت المناسب معلومات مالية  تفصيلية  و شاملة و دقيقة عن المخاطر التي يواجهها المصرف.
9- يجب الاحتفاظ كتابيا بكافة التفاصيل المتعلقة بطريقة عمل أنظمة المعلومات, و طريقة معالجتها و مراجعتها بشكل دوري,  للتحقق من توافقها مع المعلومات المستخرجة من الأنظمة المعلوماتية.
10- ضرورة وجود وحدة مراجعة داخلية مستقلة بالمصارف تتبع مجلس الإدارة مباشرة، و تقوم بالمراجعة على جميع أعمال و أنشطة المصرف بما فيها إدارة المخاطر.
11- لابد من وضع ضوابط تشغيلية فعالة وحازمة في جميع قطاعات المصرف مثل الفصل بين الوظائف والمهمات , و وجود آلية لتتبع سلسلة الإجراءات أو المعاملات.
12-.وضع ضوابط أمان لجميع الأنظمة المعلوماتية الرئيسية لكل مصرف من أجل الحفاظ على صحة وسلامة وسرية المعلومات. ولمزيد من الأمان يتعين مراجعة جميع الأنظمة الرئيسية من قبل أطراف أخرى خارجية من ذوى الاختصاص.
13- وضع خطط للطوارئ معززة بإجراءات وقائية ضد الأزمات، يتم الموافقة عليها من قبل المسؤولين ذوي العلاقة، وذلك للتأكد من أن المصرف قادر على تحمل أي أزمة أو تعطل في الأنظمة أو أجهزة الاتصالات، على أن تخضع هذه الخطط للاختبار بشكل دوري.

هذا وتتمثل أهم المخاطر التي تتعرض لها البنوك الاسلامية في:

  • مخاطر ائتمانية.
  • مخاطر أخلاقية.
  • مخاطر السوق.
  • مخاطر السيولة.
  • مخاطر معدل العائد .
  • مخاطر التشغيل.

و فيما يلي سنتعرض لبيان كل نوع من هذ المخاطر و أساليب التقليل منها, مع الإشارة إلى وجود تداخل بين هذﻩ  الأنواع حيث يمكن أن يشمل أحدها مخاطر أخرى, و من هذه المخاطرما يمكن للبنك أن يؤثر فيها وتخضع لسيطرته, و منها ما يكون ناتجا عن ظروف خارجية لا يستطيع البنك أن يؤثر فيها .

أولا: مخاطر الائتمان

تعد المخاطر الائتمانية من أهم المخاطر التي يتعرض لها البنك الاسلامي في عمله. و ترتبط المخاطر الائتمانية بإحتمالات عدم قدرة المدين على التسديد في الوقت المحدد للسداد و بالشروط المتفق عليها في العقد .

و تواجه البنوك التقليدية المخاطر الإئتمانية في كل عملياتها تقريبا, كون العلاقة بينها و بين عملائها هي علاقة دائن بمدين على الدوام مهما إختلفت التسميات للعقود و المعاملات. و تواجه البنوك الاسلامية كذلك هذا النوع من المخاطر خاصة في صيغ التمويل الاسلامي التي تعتمد على عقود المداينة, فمن المعلوم أن المرابحة، و الاستصناع، و الإجارة و بيع  التقسيط هي بيوع آجلة يتولد عنها ديون في سجلات البنك، والمخاطرة الأساسية فيها هي المخاطر الائتمانية.

كما أن السلم أيضا يتولد عنه دين سلعي لا نقدي، و لكنه يتضمن أيضا مخاطر ائتمانية. أما فيما يخص المضاربة والمشاركة فهما عقدا شركة، فرغم عدم كون الأموال التي يدفعها البنك الاسلامي إلى عميله ديونا في ذمته, إلا إنها قد تتضمن مخاطر ائتمانية من جهتين :

  1. في حال التعدي أو التقصير حيث يضمن العامل رأس المال فينقلب إلى دين في ذمته.
  2. عند إنهاء المضاربة والتنضيض والقسمة يصبح نصيب البنك الاسلامي مضمونا على العامل كمثل الدين, فكل ذلك يتضمن مخاطر إئتمانية.

و نظرا للخصائص الفريدة لكل أداة من أدوات التمويل مثل الطبيعة الغير الملزمة لبعض العقود, فإن مرحلة البدء في التعرف على مخاطر الائتمان قد تختلف من أداة إلى أخرى. وعليه فإن تقييم مخاطر الائتمان يجب أن يتم بشكل مستقل لكل أداة تمويل على حدة من أجل تسهيل عمليات المراقبة الداخلية الملائمة وعمليات إدارة المخاطر .

إضافة الى ما سبق على البنوك الاسلامية أن تأخذ بعين الاعتبار الأنواع الأخرى من المخاطر التي تؤدي إلى نشوء مخاطر ائتمان, من قبيل :

• أن تتحول المخاطر المتأصلة في طبيعة عقد المرابحة من مخاطرسوق إلى مخاطرإئتمان. أو  يتحول رأس المال المستثمر في عقد المشاركة أو المضاربة إلى دين في حالة ثبوت إهمال أو سوء تصرف المضارب أو الشريك الذي يدير المشروع.
• لا يسمح تحريم الفائدة للبنوك الاسلامية بإعادة جدولة ديونها على أساس التفاوض مرة أخرى بشأن معدل هامش ربح أعلى. مما قد يشكل حافزا لبعض العملاء للتخلف عمدا عن السداد ، معرضين هذه البنوك إلى مخاطر إئتمان إضافية. و من حسن الحظ أن حالات التأخر عن السداد محدودة حاليا, كما أن طبيعة التمويل الاسلامي القائم على الأصول هى بمثابة آلية سلامة لأنها تزود البنوك الاسلامية بضمان قابل للتسويق يتيح لها التحكم فى تعرضها للمخاطر.
• من محدادات التأخر عن السداد أجل الائتمان, إذ أن الأصول ذات الاستحقاق طويل الآجل تحصل على وزن مخاطر أعلى مقارنة بالأصول ذات الاستحقاق قصير الآجل. و تعمل البنوك الاسلامية حاليا على تقديم تمويل قصير الأجل لسلع وخدمات حقيقية, لذلك فالمخاطر التى تصاحبها أدنى نسبيا.

بالإضافة إلى هذه النقاط العامة التى ينبغى بحثها عند تقييم مخاطر الائتمان في البنوك الاسلامية، هناك عدد من المخاطر متعلقة بالمستفيدين من تمويل البنوك الاسلامية والمتصلة باستعمال صيغ التمويل الإسلامية .

ففي حالة صيغة المرابحة, يرى بعض الفقهاء بما فيهم مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، أن عقد المرابحة ملزم على البائع فقط وليس المشتري، وهناك بعض الفقهاء الآخرون ممن يرون أنه ملزم للطرفين، وتأخذ معظم المصارف الإسلامية بالرأي الثاني في معاملاتها. على أن مجمع الفقه يعتبر الطرف المعسر مسؤولا تماما عن تعويض الطرف المتضرر عما تحمله من خسارة.

أما فيما يخص عقد السلم أيضا, فثمة عدد من المخاطر من طرف الزبون ابتداءا من عدم تسليم السلعة المشتراة في حينه أو حتى عدم تسليمها من أصلها، أو عدم تسليم ما اتفق عليه كما و كيفا. ثم إن المخاطر في بيع السلم لا تقوم فقط على عوامل خاضعة لسيطرة المورد، بل على عوامل خارجة عن إرادته، كالكوارث الطبيعية وأسباب مناخية وغيرها, لذلك نجد أن مخاطر الائتمان فى تمويل السلم كبيرة أيضا.

كذلك عند دخول البنك الإسلامي فى عقد استصناع, فهو يقوم بدور من يتكفل بالبناء والمقاول والصانع والمورد، ولما كان البنك غير متخصص فى هذه المجالات كلها فهو يعتمد على مقاولين من الباطن. وهذا يعرض البنك الاسلامي إلى مخاطرالتخلف عن السداد من عميل البنك من جهة، إضافة الى خطر عجز المقاول من الباطن عن الوفاء بالتزاماته في الوقت المحدد من جهة أخرى.

و مما زاد الطين بلة إعتماد البنوك الاسلامية على المرابحة كصيغة وحيدة تقريبا لتوظيف أموالها، حيث تصل المرابحات إلى ما يزيد عن 90 % من العمليات في عدد من البنوك الاسلامية. وحتى تلك التي نجحت في استخدام صيغ أخرى, نجد أنها تركز على الصيغ المولدة للديون مثل الاستصناع .

و قد أدى هذا التركيز على المرابحات إلى حرمان هذه البنوك من الاستفادة من الفرص التي تتيحها صيغ المضاربة وأنواع العقود القائمة على المشاركة و التأجير. و لعل أحد أهم أسباب ذلك هو أن البنوك الاسلامية تنافس في أسواقها البنوك التقليدية.

ثانيا: مخاطر أخلاقية

مما لاريب فيه أن المضاربة و المشاركة بأنواعها تحمل في طياتها معدلا أعلى من المخاطر الأخلاقية. ذلك أن هذ الصيغ تعتمد في جانب منها على قرارات و أمانة عميل البنك. لذلك إذا كان المستوى الأخلاقي لذلك العميل هو دون المستوى المطلوب أصبح الوصول إلى الأهداف المرجوة من الاستثمار غير ممكن.

فعلى المصارف الاسلامية عند تحديد مستوى المخاطر المقبولة للأطراف التي تتعامل معها أن تتأكد من:

  • أن المعدل المتوقع للعائد على العمليات يتناسب مع مخاطرها .
  • تجنب مخاطر الائتمان المفرطة سواء على مستوى كل عملية أو على مستوى المحفظة ككل.

كما يشير العديد من الباحثين إلى الخطر الأخلاقي الكامن في عملية المضاربة التي قد يتصرف الوكيل فيها (صاحب المشروع الممول من قبل المصرف الاسلامي) في غير صالح الأصيل، أو قد يلجأ الوكيل إلى إخفاء بعض المعلومات بقصد الحصول على ما لا يستحقه من المنافع .

و لمعالجة هذا الخطر أكد الباحثون على :

  • الدور الذي يلعبه الخلق الإسلامي الرشيد و التوعية الإسلامية و التقاليد الحسنة في المجتمع الإسلامي .
  • التدقيق في كل مشروع قبل أن يدخل البنك الاسلامي في تمويله. وذلك يحتاج إلى جهاز كفء لدى البنك الاسلامي لتقويم المشروعات تقويما فنيا .
  • الاحتفاظ بالسلع تحت رقابة البنك: و هو إجراء تؤَمن به البنوك الاسلامية حسن تسيير المشروع.
  •  ضرورة مراقبة المشروع للقضاء على فرص الخيانة من قبل العامل، وإذا كان الاهتمام الأول يقتضي بيئة إسلامية حكومة و شعبا، و هذا غير متوفر، فليس في مقدور المصارف الاسلامية العاملة في البلدان التي يسود فيها النظام المصرفي الربوي, إلا أن تضيف شرط مراقبة البنك لسير المشروع في العقد كشرط يتفق عليه المتعاقدين.

ثالثا: مخاطر السوق

تتمثل مخاطر السوق تقليديا في أسعار الصرف و أسعار الفائدة و تقلب أسعار السوق. فتشير مخاطر السوق إلى الآثار المحتملة على القيمة الاقتصادية للموجودات نتيجة للتقلبات السلبية في الأسعار مثل أسعار صرف العملات الأجنبية وأسعار الأسهم وأسعار السلع.

و تسمى مخاطر السوق كذلك بالمخاطر التجارية, وهي لا تقتصر على تغير أسعار الموجودات بل تشمل أيضا خطر هلاك الموجود. و تتجلى وسائل التقليل من مخاطر السوق فيما يخص تلك المتعلقة بتغير أسعار الموجودات التي تمتلكها المؤسسة المصرفية عن طريق أساليب التمويل الإسلامي، فنجد أن الفقه الإسلامي طور هذه  العقود بحيث خففت من مخاطر تغير الأسعار الكامنة في العقود الأصلية كالمرابحة و السلم والاستصناع و الاجارة، فوجدت المرابحة للآمر بالشراء، والسلم الموازي، والاستصناع الموازي والإجارة المنتهية بالتمليك.

و فيما يخص مخاطر السوق المتعلقة بتغير أسعار السلع وأسعار الأسهم وأسعار الصرف وأسعار الفائدة، فهناك أسلوبين رئيسيين للتعامل مع هذا الخطر في المعاملات المالية المعاصرة وهي طريقة مواءمة الأصول والخصوم, وطريقة الاحتماء. وأما مخاطر السوق المتعلقة بخطر هلاك الموجود، فمن أهم أساليب مواجهتها التأمين.

رابعا: مخاطر السيولة

تحدث هذه المخاطر عند وقوع إنخفاض غير متوقع فى صافي التدفق النقدي للبنك, وعدم مقدرة البنك على تعبئة موارد بتكلفة معقولة سواء ببيع أصوله أو بالاقتراض من خلال إصدار أدوات مالية جديدة. الأمر الذى يجعل البنك عاجزا عن الوفاء بالتزاماته عند استحقاقها أو تمويل فرص جديدة لأعمال مربحة. لذلك فالإدارة السليمة للسيولة ذات أهمية للبنوك إذا أرادت أن تتجنب
الانزلاق إلى مشكلات سيولة خطيرة.

وتختلف حالة البنوك الاسلامية اختلافا جذريا عن البنوك الربوية في أنها لا تقدم الأموال قروضا لآجال محددة، بل تقوم بتمويل مشروعات حقيقية يصعب في معظم الأحيان انضباط مواعيد تصفيتها وتحصيل نتاجها مهما كانت تنبؤات دراسات الجدوى وبرامج التنفيذ, مما يترتب عنه صعوبة إيجاد السيولة اللازمة في الوقت المناسب لرد الودائع عند مواعيد استحقاقها.

ويبدو أن مخاطر السيولة بالنسبة للبنوك الإسلامية منخفضة حاليا بسبب ما يمكن تسميته بأعراض السيولة المفرطة التي تواجهها نتيجة لعدم توفر فرص استثمار كافية تتفق مع أحكام الشريعة, لكن هناك عدة أسباب قد تؤدي إلى مخاطر سيولة فى المستقبل يمكن تلخيصها في الآتي :

  •  إعتماد معظم البنوك الاسلامية على الحسابات الجارية بدرجة كبيرة. وهذه قابلة للسحب تحت الطلب.
  • وجود قيود شرعية على بيع الديون والتي تمثل جزءا كبيرا من أصول المصارف الاسلامية.
  • عدم قدرة البنوك الاسلامية على تعبئة الموارد المالية من الأسواق في زمن قصيرنظرا للبطء في تطوير أدوات مالية إسلامية. و تزداد صعوبة هذه المشكلة نتيجة لعدم وجود سوق مصرفية مشتركة بين المصارف الاسلامية.
  • عدم توفر تسهيلات مالية من البنوك المركزية عن طريق وظيفتها كمقرض في الملاذ الأخير, إلا بفائدة.

ومع ذلك لم تواجه البنوك الاسلامية حتى الآن أية مشكلة في السيولة. وهذا سلاح ذو حدين لأنه بينما أنقذ هذه البنوك من أزمات سيولة، فقد أدى إلى عدم تطوير أدوات رسمية لإدارة السيولة. وهذه المشكلات يمكن التغلب عليها وليست مستعصية, فيمكن إيجاد حل مع مرور الوقت و ذلك بالتعاون بين البنوك الاسلامية والفقهاء والبنوك المركزية.

خامسا: مخاطر التشغيل

تعَرف مخاطر التشغيل بأنها  مخاطر الخسارة الناجمة عن عدم كفاية أو فشل الإجراءات الداخلية، أو العنصر البشري, و هي تشمل أيضا مخاطر عدم الالتزام بالشريعة، والمخاطر القانونية ومخاطر السمعة.

1- مخاطر عدم الالتزام بالشريعة :

تعد مخاطر عدم الالتزام بالشريعة نوعا من مخاطر التشغيل التي تواجهها البنوك الاسلامية ، والتي يمكن أن تؤدي إلى عدم الاعتراف بالدخل و إلى قيام مقدمي الأموال بسحب أموالهم أو فسخ العقود مما يؤدي إلى تشويه السمعة والحد من فرص الأعمال.

2- المخاطر القانونية:

تقع هذ المخاطر فى حالة إنتهاك القوانين أو القواعد أو الضوابط المقررة خاصة تلك المتعلقة بمكافحة عمليات غسيل الأموال، أو نتيجة عدم التحديد الواضح للحقوق والالتزامات القانونية الناتجة عن العمليات المصرفية .

3- مخاطر السمعة:

وتنشأ مخاطر السمعة في حالة شيوع رأى عام سلبي تجاه المصرف نتيجة عدم قدرته على تلبية سحوبات أصحاب الحسابات الجارية مثلا, أو بسبب عدم تقديمه خدمات الكترونية بمعايير أمان وسرية ودقة كافية, أو نتيجة الإخفاق في ضبط الإدارة الداخلية، و استراتيجيات أعمالها  و إجراءاتها.

و تؤدي الدعاية السلبية حول كيفية ممارسة تلك المؤسسات لأعمالها على الأخص فيما يتعلق بعدم مطابقة منتجاتها وخدماتها للشريعة، إلى التأثير على مركزها في السوق وأرباحها وسيولتها.

4- مخاطر الصيرفة الإلكترونية:

أدى النمو الكبر في أنشطة الصيرفة الالكترونية إلى خلق تحديات جديدة أمام المصارف والجهات الرقابية في ضوء افتقار الإدارة والعاملين بالمصارف إلى الخبرة الكافية لملاحقة التطورات المتسارعة في تكنولوجيا الاتصالات، إضافة إلى تزايد إمكانيات الاحتيال والغش على الشبكات المفتوحة مثل الإنترنت، نتيجة لغياب الممارسات التقليدية والتي كان يتم من خلالها التأكد من هوية العميل وشرعيته. مما يرتب على المصارف وضع السياسات والإجراءات الي تتيح إدارة مخاطر
العمل المصرفي الالكتروني لتقييمها ورقابتها ومتابعتها.

وتتعرض الصيرفة الالكترونية إلى أخطاء تشغيلية إذا كانت أنظمتها غير متكاملة كالحالات التالية:

-اختراق أنظمة المصرف الاسلامي للاطلاع على معلومات العملاء، سواء تم ذلك من خارج المصرف أو من داخله.
-عدم كفاءة النظم, كبطء الأداء لمواجهة متطلبات المستخدمين، وعدم صيانة النظم بسرعة.

إجمالا يتعين على البنوك الاسلامية أن تتوخى جانب الحذر الشديد فى تعرضها لمثل هذه المخاطر و وضع نظم لتحديدها والتحكم بها وإدارتها. من هنا يصبح وضع ثقافة و علم لإدارة المخاطر في البنوك جزءا لا يتجزأ من مسئولية المراقبين و المشرفين. لذلك لابد لمراقبي المصارف الاسلامية أن يصبحوا على بينة تامة بطبيعة المخاطر, وإنشاء إدارة كفؤة للمخاطر فى مؤسساتهم.

وكنتيجة، فإن معرفة المخاطر وإدارتها وتقويمها تعتبر من عوامل نجاح المصارف و المؤسسات المالية الإسلامية و ازدهارها و تحقيقها لأهدافها. و تعتمد اتجاهات النمو في الصناعة المالية الإسلامية على الطريقة التي ستتعامل بها تلك المؤسسات مع المخاطر، وستحظى هذه المؤسسات بقبول أكثر في الأسواق الدولية فيما لو طبقت معاير الرقابة الدولية، كما سيساعد في تحسين قدراتها التنافسية. لكن هذه الصناعة مازالت تعاني من نقص في مجال إدارة المخاطر، فهي مثلا تعاني من:

– ضعف أدوات القياس.
– ضعف وسائل الرقابة الداخلية على المخاطر.
– عدم امتلاكها لأدوات إدارة المخاطر بشكل كاف.

ولعل السنوات القادمة تحفل بتطوير هذه الأدوات بسبب تطور الهندسة المالية الإسامية من جهة و ازدياد القبول العالمي لها من جهة أخرى.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button

Adblock Detected

الموقع يعتمد على الاعلانات لكي يستمر. المرجو دعمنا من خلال تعطيل مانع الاعلانات و شكرا لتفهمكم