صرف العملات

تعتبر خدمة صرف النقود من أهم المعاملات المالية من المعاصرة و أكثرها انتشارا. و هي من الخدمات المصرفية المهمة في البنوك الاسلامية كونها من المعاملات الجائزة شرعا, حيث يتم توفير هذه الخدمة لمختلف العملاء لتلبية احتياجاتهم المتنوعة. و لا تختلف البنوك الاسلامية في ممارسة هذه العملية عن غيرها من البنوك الأخرى سوى في التقيد بالشروط و الضوابط الشرعية .

يعد التعامل بالعملات بالبيع والشراء من قبيل عقد الصرف من الناحية الفقهية سواء أكان هذا التعامل لغرض المتاجرة و المضاربة (التداول بغرض الحصول على ربح من فوارق الأسعار)، أم لغرض سداد الالتزمات الناشئة عن تعاملات تجارية أخرى. و الصرف نوع من أنواع البيوع إلا أنه يختص بنوع من الأموال وهي النقود أو الأثمان من ذهب أو فضة. ويعرف بأنه بيع النقد بالنقد بشتى صوره وأشكاله من النقود الورقية والمعدنية والذهب والفضة والشيكات المصدقة و الشيكات السياحية.

هذا وقد أجمع العلماء على مشروعية  الصرف من خلال الأدلة العامة الدالة على مشروعية البيوع، و نذكر منها قوله تعالى: «و أحل الله البيع وحرم الربا» و قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم». فالآيتان الكريمتان تدلان على مشروعية البيوع والصرف نوع منها إذا توافرت شروطه.

و من الأدلة على مشروعيته من السنة قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء و الفضة بالفضة إلا سواء بسواء و بيعوا الذهب بالفضة و الفضة بالذهب كيف شئتم”.

و لقول ابن عمر رضي الله عنهما: كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانر وآخذ الدراهم، و أبيع بالدراهم و آخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه و أعطي هذه من هذه، فأتيت الني صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله رويدك أسألك، فقال صلى الله عليه وسلم:” لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تفترقا و بينكما شيء”.

و تتمثل حالات الصرف في الآتي:

  1. حالة اتحاد الصنف أو الجنس: وهي مبادلة جنس بجنسه كالذهب بالذهب والفضة بالفضة أو الدرهم المغربي بالدرهم المغربي…وتشمل هذه الحالة اما صورة مبادلة العملة بفئات مختلفة من العملة نفسها,أو صورة مبادلة العملة بشكل آخر للعملة كالشيك المصدق أو الشيك السياحي…
  2. حالة اختلاف الصنف أو الجنس: أي مبادلة جنس بغير جنسه كالذهب بالفضة وكالذهب بالدينار الكويتي أوالدينار الكويتي بالدولار الأمريكي.

أما الأحكام الشرعية للصرف فهي:

  • يشترط لشرعية المبادلة في حالة إتحاد الصنف أو الجنس, التقابض في مجلس العقد والتساوي بين البدلين. أما في حالة إختلافهما فلا يشترط إلا التقابض في مجلس العقد بينما يجوز التفاوت بين البدلين طبقا لسعر الصرف الذي يتفق عليه المتعاقدان.
  • لا يجوز أن يشتمل عقد الصرف على شرط أن يكون الخيار لأحد المتعاقدين في فسخ عقد الصرف خلال مدة معينة، لأن هذا الشرط ينافي التقابض.
  • أن لا يكون المقصود ببيع العملات (الصرف) الاحتكار أو إلحاق ضرر بالأفراد أو المجتمعات.
  • أن لا يكون التعامل بالعملات في السوق الآجلة ولو كان لتجنب إنخفاض ربح العملية التي تتم بعملة يتوقع انخفاض قيمتها.
  • أن يتم التقابض قبل تفرق العاقدين سواءا أكان القبض حقيقيا أم حكميا.

هذا و تتم عمليات الصرف الأجنبي إما مناجزة او عن طريق المواعدة:

أولا: صرف العملات مناجزة

أجمع الفقهاء على فساد الصرف اذا لم يتم فيه التقابض و ذلك لحديث عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال: “الذهب بالذهب و الفضة بالقضة, و البر بالبر, و الشعير بالشعير, و التمر بالتمر, و الملح بالملح, مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد, فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم اذا كان يدا بيد”.

فعامل الزمن و هو تأخير قبض أحد العوضين عن المجلس يعتبر زيادة, فيدخل الغرر على العقد و هو مفسد لعقد الصرف. كما أن عدم التقابض في النقود يؤدي إلى اختلال و عدم ثبات قيمتها فيخرجها عن وظيفتها كوحدة قياس للأموال, و لهذا حرمت النسيئة في بيع النقود و الأثمان سواء بيعت بجنسها أو بغير جنسها.

و إذا كان الفقهاء اتفقوا على شرط التقابض فإنهم إختلفوا على المقصود منه, فالمذهب الأول يرى بأن القبض هو تبادل العوضين فور العقد, فلو تأخر عن ذلك لايصح و لو لم يفترق المتعاقدان عن مجلس العقد. أما المذهب الثاني فيعتبر القبض صحيحا إذا تم التقابض قبل التفرق عن مجلس العقد, سواء أكان ذلك فور العقد أو لاحق عنه, و بذلك قال أكثر الفقهاء.

و القبض الشرعي يكون إما قبضا حقيقيا يتم بالمناولة الفعلية, أو قبضا حكميا يتم بتسليم البدل أو البدلين بشيك مصدق أو بشيك سياحي أو بقيد مصرفي كما في حال الحسابات المصرفية أو بالبطاقة الائتمانية, ما لم يترتب على ذلك تأجيل في الدفع من قبل البنك يزيد عن المدة المتعارف عليها في أسواق التعامل.

و تتم عملية الصرف مناجزة من خلال ثلاثة طرق:

1- عن طريق خزانة البنك بقيام العميل بتسليم ما لديه من عملة أجنبية الى البنك و يتسلم في المقابل العملة الأخرى المطلوبة. و يتم فيها التسليم و التسلم يدا بيد و بالتالي فلا إشكال فيها من الناحية الشرعية.
2- عن طريق الحساب بأن يقوم المودع بتسليم ايصال الايداع الذي يحمل تاريخ اليوم الذي يتم فيه الايداع, و من ثم يقوم البنك بقيد القيمة المعادلة للعملة الأجنبية وفق سعر يوم الايداع بحساب العميل بالعملة المحلية. و هذه الطريقة جائزة و إن لم يكن فيها تقابض بمظهرها الخارجي لأن الحق القائم في ذمة البنك يسدد بما يؤدى في مقابلها من عملة بسعر ذلك اليوم, أي أن التبادل يتم بالسعر الحاضر.
3- أما الطريقة الثالثة فهي قيام البنك بعمليات شراء عملات أجنبية من سوق أجنبية لبيعها في سوق أخرى أجنبية بهدف تحقيق الربح الناتج عن فرق السعر بين السوقين. و تتم العملية في وقت واحد و يتم تسجيل الحقوق المترتبة عن العملية و تثبيتها في سجلات البنك. و تسمى هذه العملية في عرف الصيارفة بالمراجحة. و قد أخدت البنوك السلامية بهذه الطريقة لكونها تتم بالسعر الحاضر و يتم تقييدها في سجلات البنك بما يعد بمثابة تقابض فعلي.

التقابض إذن متحقق في الطرق الثلاث السابقة سواء كان فعليا كما في ااصورة الأولى, أو حسابيا كما جاء في الصورتين الأخيرتين.

ثانيا: المواعدة في الصرف 

تلعب هذه الصيغة دورا هاما و ضروريا في عمليات الاستيراد و التصدير, فعندما يرغب مستورد محلي في الامارات مثلا بفتح اعتماد باليورو لصالح مصدر في الخارج بغرض عقد صفقة ما, فإن سعر الصرف بين الدرهم و اليورو قد يختلف من يوم فتح الاعتماد الى يوم ورود المستندات و تسديد قيمة الاعتماد, فلتجنب مخاطر تغير أسعار الصرف يقوم المستورد باجراء عملية مواعدة بالصرف على أساس ابرام اتفاق لشراء ما يعادل قيمة الإعتماد المفتوح و ذلك بسعر يوم فتح الاعتماد, و تسمى هذه العملية في العرف المصرفي بالتغطية (covering).

و قد أشار الفقهاء بجواز المواعدة في الصرف شريطة أن لا يقترن بالوعد ما يدل على أنه عقد، بمعنى أن لا تكون المواعدة ملزمة للطرفين المتواعدين، و لو كان ذلك لتجنب مخاطر هبوط العملة، أما الوعد من طرف واحد فيجوز و لو كان ملزما لأن المواعدة من طرف واحد ليست عقدا.أما المواعدة الملزمة من الطرفين فهي في معنى العقد و عليه فإنها لا تكون جائزة من الناحية الشرعية لعدم تحقق شرط التقابض في مجلس العقد .

نتطرق كذلك الى حالة المبادلة في العملات الثابتة دينا في الذمة, و المقصود بالعملات الثابتة دينا في الذمة، الذمة الناشئة بعد إتمام عملية البيع و انتهائها. مثال ذلك، باعت شركة بضاعة إلى شخص بمبلغ 25000 دولار، سدد منها 20000 دولار و بقيت في ذمته 5000 دولار. فالمقصود الآن هو ما بقي في الذمة أي الخمسة آلاف دولار.

فإن اشترت الشركة من ذلك الشخص فيما بعد بضاعة قيمتها 250000 دولار فلا مانع من إطفاء الدينين مع بعضهما بشرط اتفاقهما معا على سعر مبادلة الدين كله أو بعضه، و بذلك تصح المبادلة في العملات الثابتة دينا في الذمة إذا أدت إلى الوفاء بسقوط الدينين (موضوع بيع الصرف) لتبرأ بذلك ذمتيهما.

و من صور ذلك أيضا، استيفاء الشركة لدينها البالغ 5000 دولار بسعر صرفها في يوم سداد ذلك الشخص لهذا المبلغ. و يلاحظ اندماج المقاصة في عملية الصرف و وفاء الديون الثابتة في الذمة، ولا بأس في ذلك.

هذا و قد دأبت بعض الشركات على بيع الصرف على شبكة الإنترنيت Foreign Exchange و أسمت ذلك ببيع Forex . و صورتها أن يشرع المتاجر برأسمال قدره 1000 دولار و يستدين من تلك الشركة 9000 دولار مثلا، ثم يشرع ببيع و شراء العملات باستخدام شبكة الانترنيت, و تقتص الشركة صاحبة الموقع (الدائن) مبلغا مقطوعا (15 دولار) عن كل عملية بيع أو شراء.

لا يجوز في هذه الصورة للشركة إقراض العميل مبالغ تشترط عليه فيها للتعامل المتاجرة بالعملات معها دون غيرها، للقاعدة الشرعية ” كل قرض جرّ نفعا فهو ربا ” فإن لم تشترط ذلك فلا مانع منه شرعا.

و قد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بتحريم و منع المتاجرة بالهامش، أو بنظام الفوركس معددا أسباب التحريم في ما يلي:

أولا: ما اشتملت عليه من الربا الصريح ، المتمثل في الزيادة على مبلغ القرض المسماة “رسوم التبييت”، فهي من الربا المحرم.و إلغاء بعض المؤسسات التي تتعامل بالهامش هذه الرسوم، لا يعني حل معاملتها لبقاء المحاذير التالية :

• الجمع بين سلف و معاوضة، حيث أن اشتراط الوسيط على العميل أن تكون تجارته عن طريقه، يؤدي إلى الجمع بين سلف و معاوضة (السمسرة)، وهو في معنى الجمع بين سلف و بيع، المنهي عنه شرعا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” لا يحل سلف و بيع …”. و هو بهذا يكون قد انتفع من قرضه، و قد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعا فهو من الربا المحرم.
• عدم حصول القبض فيما يشترط فيه القبض، كبيع العملات، و الذهب و الفضة، و هذا من ربا النسيئة. حيث بيع وشراء العملات يتم غالبا دون قبض شرعي يجيز التصرف.
• ما تشتمل عليه هذه المعاملة من أضرار اقتصادية على الأطراف المتعاملة، و خصوصا العميل (المستثمر)، و على اقتصاد المجتمع بصفة عامة, لأنها تقوم على التوسع في الديون، و على المجازفة، و ما تشتمل عليه غالبا من خداع و تضليل و شائعات، و احتكار و نجش وتقلبات قوية و سريعة للأسعار، بهدف الثراء السريع و الحصول على مدخرات الآخرين بطرق غير مشروعة، مما يجعلها من قبيل أكل المال بالباطل، إضافة إلى تحويل الأموال في المجتمع من الأنشطة الاقتصادية الحقيقية المثمرة إلى هذه المجازفات غير المثمرة اقتصاديا، وقد تؤدي إلى هزات اقتصادية عنيفة تلحق بالمجتمع خسائر و أضرار فادحة .

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button

Adblock Detected

الموقع يعتمد على الاعلانات لكي يستمر. المرجو دعمنا من خلال تعطيل مانع الاعلانات و شكرا لتفهمكم