مقالات و أراء

اقتصاد يحكمه الضمير

عبدالله محمد العور
عبد الله محمد العور *

يسعى الاقتصاد الإسلامي الى العدالة والمصداقية والنزاهة في سبيل مجتمع متوازن. إنه اقتصاد يكتنز كل القيم والأخلاقيات التي ترقى بالأنشطة والأعمال الى مستوى الالتزام بالقضايا الاجتماعية والانسانية المنصوص عليها في أحكام الشريعة الإسلامية.

كل نظام اقتصادي يرتكز على مبادئ تأسيسية أو قيم رئيسية. وإذا كان الاقتصاد التقليدي محايداً في موقفه تجاه القيم فهذا يتيح له أن يكون أكثر مرونة في التفسير والممارسة وبالتالي أكثر عرضة للتجاوزات أو الاستغلال. في المقابل، يتعين على الاقتصاد الإسلامي الحرص على تطبيق مبادئ الشريعة ومراقبة أي مخالفة بحقها. من هنا يتمثل الهدف الأول والرئيس للاقتصاد الإسلامي في تحقيق المصلحة العامة وضمان عدم المساس بها.

إن شهر رمضان المبارك محطة لتعزيز القيم وتجديد الأصالة والروح الجماعية كناظمة للمفهوم الاجتماعي، وهو فرصة لإعادة النظر بالسلوك وتقييم نمط الحياة وتقوية الترابط والتلاحم بما يثمر محبة وألفة حيث كل الأبواب مفتوحة للمغفرة والرحمة.

ما علاقة ذلك بالاقتصاد الإسلامي؟ يمكن اختصار الجواب بكلمتين: «مجتمع عادل». ثمة من يرى في تركيز الإسلام على المجتمع والذي يتعاظم في شهر رمضان المبارك عنصراً جديراً بالملاحظة مما يدفع الخبراء الغربيين إلى الاستنتاج بأن «المجتمع العادل» هو الغاية الأسمى للرسالة الإسلامية. ففي كتابها «تاريخ قصير» (2002) تؤكد كارين أرمسترونغ أن تحقيق المجتمع العادل هو «واجب رئيسي» للمسلمين، مشيرة إلى أن «بناء هذا المجتمع والعيش فيه يقربهما من الخالق، لأنهم سوف يعيشون وفقاً لمشيئة الله».

عندما أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي مبادرة تأسيس مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي عبّر بشكل واضح أن تطوير الاقتصاد الإسلامي لا يتعلق فقط بالتجارة أو التمويل، لأن البعد الاجتماعي فيه هو على قدر كبير من الأهمية، فالغاية الأسمى للاقتصاد الإسلامي هو تحقيق الرفاهية للمجتمع.

وتجلى هذا الكلام مع إطلاق مبادرة سلمى، المشروع الإنساني الأول من نوعه للإغاثة العاجلة للمنكوبين حول العالم من دون تمييز. وجاءت هذه المبادرة كشراكة بين مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي، وهيئة الأوقاف وشؤون القصّر في دبي، ومؤسسة نور أوقاف، لتنسجم مع المرسوم الذي أصدره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لتكريس دبي مركزاً عالمياً للإغاثة ومع رؤيته في أن تكون دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي.

تحاكي مبادرة سلمى الروح الإنسانية لتحفّز الإرادة والعزم في مساعدة المحتاجين في العالم على اختلاف انتماءاتهم و جنسياتهم. كل ما هو مطلوب هو الإرادة والنية في إحداث فرق جوهري في حياة البشر. إنها هذه الإرادة نفسها التي تقود أنشطتنا ومبادراتنا في مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي من أجل إتاحة الفرصة للمسلمين وغير المسلمين للاستفادة من منظومة اقتصادية متكاملة تتبنى ممارسات أخلاقية وتضع المصلحة العامة في صميم وجوهر أعمالها. بهذا المعنى، نرى أن بين المسؤولية الاجتماعية للشركات و«المجتمع العادل» قواسم مشتركة كثيرة، فكلاهما يسعيان إلى إحداث توازن بين تحقيق الرفاهية للمجتمع وتركيز الشركات على تحقيق الأرباح.

الاقتصاد الإسلامي ليس حلاً سحرياً للمشاكل الاقتصادية في العالم. ولكن الروح المتجسدة في «المجتمع العادل» والتي تضع رفاه الآخرين فوق أي مصلحة شخصية، تستدعي القول إن الاقتصاد الإسلامي يمكن أن يقدم بديلاً لأولئك الذين يسعون إلى منتجات وخدمات تم تصميمها وإنتاجها وفق الأسس الأخلاقية وقيم المسؤولية الاجتماعية.

إن شهر رمضان المبارك يتيح الوقت للتأمل والتفكر. هو فرصة لنا نحن المشاركين في صياغة وتطوير الاقتصاد الإسلامي أن نسأل أنفسنا «هل من طريقة أفضل؟» وأن نبـــدأ بإيجاد حلول للتحديات الاقتصادية العالمية تلبي احتياجات المجتمع يتخطى منطق الربح ليقدم أنشطة اقتصادية يحكمها الضمير الإنساني.

* عبدالله محمد العور المدير التنفيذي لمركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي

البيان

Show More

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button

Adblock Detected

الموقع يعتمد على الاعلانات لكي يستمر. المرجو دعمنا من خلال تعطيل مانع الاعلانات و شكرا لتفهمكم